...مذكرات د.كوثر © 2007-2018 جميع الحقوق محفوظة للكاتبة.لا يمكن نسخ أو استخدام أي من المحتوى بأي شكل بدون ذكر المصدر...

Thursday, January 3, 2008

مذكرات ~ 5

تأخرتُ هذه المرّة، وكأن القدر ينظّم لي ما لا أستطيع تنظيمه!
.
لكن عزائي أنني أكتبُ كلّما أتيحت لي الفرصة، هذه المرة كان الأمر أكبر من تحمّلي، مستشفيات وأشياء تدخل دمي، مرة بحجّة الحمّى ومرّات بحجج أخرى..
.
أراها كلّها واهية، فماذا حدث أسوأ مما حدث لي على مرّ السنوات؟ حالتي الصحيّة ليست بجديدة منذ فترة طويلة، ارتفاع ضغطي وتوتر قلبي أصبحا بالنسبة لي كالصداع للناس ! وأتعامل معهما بكل أريحية وتناغم..
الطبيب يطمئنني وينصحني بالراحة والاستجمام، ربما في عطلة نصف العام أصطحب نورا لأية مكان دافئ لنقضي فيه أسبوعين من الراحة التامة والمتعة المجردة من أية انشغالات..
لم أحكِ لكم عنها، هديّة القَدَر لي.
.
أو أجمل هديّة صنعتُها لنفسي وأكمَلَ نسيجها القدر ..فتاة رائعة بكل المقاييس، منفتحة مثقفة وتدرس بكل جدّ وتسعى لتكون أفضل، تذكرني بطموحي عندما كنتُ في سنّها..
.
حدثتني مؤخرًا عن إعجابها بالمعيد الذي يدرّس لها، فتذكرت نفسي، ورأيت ماضيّ يتجدد أمامي في صور أكثر شبابًا وأملًا، لن أدع الخطأ الذي حدث معي يتكرر ثانية، في حال أديّا قسم الإخلاص أمام راعي الحبّ !
.
لن أستعجل شيئًا، الإعجاب لا يعني الحب في كل الأحوال، ولا يعني التزام الحبّ بالتالي.
لا أريد أن أكتب كثيرًا عمّا سيأتي، استباق الأحداث لا يأتي بنتيجة سوى الصدمة عند مقارنته بالواقع..
أكتب الآن وأنا في المقعد المفضّل لي في أحد الفنادق المطلّة على البحر مباشرة، أردت أن أقضي يومين هنا مع نورا، فقد وعدتُ نفسي بعطلة مميّزة، صحّحتُ أوراق الامتحانات وسلّمتها لكنترول الكليّة، وليس لديّ شيء لأحد..العكس هو ما يحدث غالبًا.!
.
لم أستطع اليوم منع نفسي من تذكّر أيامي الخوالي، ذهبت نورا للقاء مع أصدقائها، بعضهم من الجامعة وبعضهم أكبر منها، تحبّ دومًا أن تصادق الأكبر منها، أكثر من أن تصادقني دليل؟!
دعوني أكمل قصّتي..
.
عدتُ ذلك اليوم لا أُحَمِّلُ الأرض عبء حملي، فقد كنتُ أكاد أطير سعادةً بحبّي وبشهادتي الجديدة التي أنجزتها في وقت قياسي، كان وجهي مضيئًا كما وصفه لي أبي يومها، عانقني أبي بودّ وبارك لي وتمنّى لي المزيد من التفوق، أمي لم تكن بتلك السعادة، لكنها بعد إلحاح منّي ومن أبي وافقت أن نحتفل في الخارج..
ذهبنا إلى كافتريا مطلّة على البحر، أرادت أمّي أن ندخل إحدى المسرحيات كي تشعر أن هناك ما يفرح، لم تقتنع أبدًا بفائدة التعليم للبنت، ولا ألومها الآن لأنني أرى أفكار أمّي الآن في بعض طالباتي، فكيف أستطيع أن ألومها ؟!
أن توجد فتيات الآن، بل أمّهات يفكّرن بهذه الطريقة في هذا الزمن الأغبر ! لا يمكنني أبدًا إلا أن أشكر لأمي أنها لم تكرهني على فعل ما تريد، كما كان جدّاتها !
أراقب سلسلة التطور، إذن أمي كانت منفتحة، كانت ترفض ما أفعل لكنها لا تجبرني على عكسه..وكم أنا ممنونة لها لذلك..
.
ذهبنا إلى الكافتريا نزولًا على رأي الأغلبية، وهو ما تعلّمته من أبي، التصويت وأخذ رأي الأغلبية بلا أية شحناء بين الأطراف جميعًا..
.
رأت أمي يومها إحدى صديقاتها مع زوجها وابنتهما وذهبت إليهما بناء على دعوتهما، بينما لم نذهب أنا وأبي، وكأنه يعرف أنني أريد أن أتحدث إليه..
.
أولّما ذهبت أمي، التفت إليّ وقال: هاه يا صغيرتي التي تكبر بسرعة...أخبريني بالتفصيل ما الذي حدث؟
أخبرته بالقصة التي ذكرتها لكم من قبل وأنا أراقب ردّة فعله، وجدته يبتسم ويقول: يا صغيرتي!
ضحكتُ وأخبرته أن الدكتور سوف يسافر لأمريكا من أجل بعض الأبحاث التي يقوم بها، وأنه أخبرني بذلك عَرَضيّا ولم أعلّق..
.
لم يعلّق أبي، لم يرد أن يستبق الأحداث، وهو ما تعلّمته منه..تحدثنا بعد ذلك عن نيّتي في التقديم للدكتوراة، وعن الدراسات العليا بين مصر والخارج..
.
ولم نتحدث في موضوع الدكتور مرّة أخرى...حتى جاء ذلك اليوم..يوم لا ينسى أبدًا..مرارته تنغص حلقي كلما تذكرته بتفصيلاته، أحاول إقناع نفسي بعدم حدوثه، كثيرة هي الأسابيع والشهور التي لم تخزّن في ذاكرتي، ليتني أبدلها فقط بهذا اليوم..

أعتقد أنني سأحضّر فنجانًا من القهوة ثم أكمل..إلا لو أتت نورا وأصدقاءها، فقد رفضتُ أن أذهب معهم لئلا أنغص عليهم جلستهم الشبابية، وفي الواقع أردتُ أن أختلي بنفسي قليلا، لكنني عرضتُ عليها أن تأتي بهم في نهاية المطاف إن شاؤوا أن يكملوا السهرة معي، لأنها أخبرتني أن بعضهم يريد أن يتعرّف إليّ !

نعم أنا ساهرة كبيرة، أنا أمشي كما يقول الأطباء تمامًا !! لذلك يتّصل طبيبي من حين لآخر ليطمئن على حالتي فأجعله يحاول ألا يتصل مرّة أخرى إلا عندما يسأل عن موعد جنازتي! لكنني أردّ عليه في كل مرة !

طالما قلت له أنه رجل سيء الحظ !

ولي عودة..

د. كوثر
يناير2008