...مذكرات د.كوثر © 2007-2018 جميع الحقوق محفوظة للكاتبة.لا يمكن نسخ أو استخدام أي من المحتوى بأي شكل بدون ذكر المصدر...

Sunday, August 3, 2008

مذكرات ~ 10

سئمتُ لعب دور المرأة القويّة لمدة طويلة .. المرأة الحديدية التي تقوم بكل ما تستطيع وما لا تستطيع، كل الضروري والممكن والمستبعد والمستحيل .. تعبتُ ومن حقي أن أرتاح بعد مشوارٍ طويلٍ

المرأة القوية لم تعد قويّة .. من أسوء الأشياء التي قد تحدث لامرأة- بل أسوأها على الإطلاق- أن ترتبط برجل ضعيف، لتتحول تدريجيًا لامرأة حديدية، عليها أن تخفي مشاعرها، وأن تنعم على الجميع بالعطف .. وأن تبثّ الثقة هنا وهناك .. وإيّاها ثم إيّاها أن تبكي .. أو تضعف

وآه من الدمع .. من قال أن الدمع محرّم على الأقوياء؟ وهل يُطبَعُ على القلب حين الولادة أنه قلبٌ قوي أو ضعيف ؟ أم أن الشخصية تتكون بما تلاقي؟ وتكتسب قوتها أو ضعفها .. حسب اختيارها .. أو إجبارها !

لطالما اخترتُ أن أكون قويّة .. وكرهتُ الضعف .. وداريتُ لحظات ضعفي بكلّ قوّتي .. لأنني لم أجد من يحتوي ضعفي بعد وفاة أبي رحمه الله، وكأنني قررتُ أن أصبح هو .. في قوته ورحمته .. فلا أقبل أن أُرى ضعيفة ..

شيء واحد .. شخص واحد .. لم أعد أقوى أبدًا أمامه على احتمال قوّتي .. أو أن قوتي لم تعد تحتمل قوّة ضعفي .. يا لما يفعله ذلك الشعور .. الفـقـد .. وخشية الافتقاد الدائم .. ذلك الشعور المدمّر بالاشتياق ..

لم أستعد كل تلك المشاعر وبعد كل تلك السنوات، إلا بعد أن رأيته ممددًا في السرير الأبيض .. كنتُ أدخل إلى الغرفة بثقة .. لم يقل لي أنه ر ا ئـ د ،

لـ م يـ قـ ل لـ ي أ ن صـ ديـ قـ ه الـ مـ ريـ ض ا لـ ذ ي نـ ز و ر ه

مـ ا هـ و إلا ر ا ئـ د .. حـبـيـبـي

لحظتها .. سئمتُ لعب دور القوية .. وانهرتُ بالبكاء بجواره .. احتضنت كفّيه بين يديّ أقبّلهما وأعتذر ..

عن ماذا أعتذر؟

من الذي يجب عليه الاعتذار ؟

لقد فضّل هو أن يمثّل دور القوي الذي اختفى .. على أن يظهر ضعيفًا أمام من يحبّ .. لكنني غضبتُ كثيرًا في داخلي .. هاهو على قيدِ حياةٍ كان يمكن أن تكون لنا وحدنا .. لا يهم أنه في حالة ضعف .. فهي حالة خارجية فقط ..

أخبروني هل كل الأصحاء أقوياء ؟

يا إلهي !

كيف كانت لتصبح حياتي الآن؟

اعتذرتُ لأنني لم آتِ للبحث عنه بنفسي .. اعتذرتُ لأنني تخاذلتُ عنه .. وظننتُ أنّ الأمر لم يكن سوى حالـة مؤقتة، واعتذر بعدما رآني !

لم يكن يعلم أن حالتي ستصبح كذلك ..

ليته عَلِم

لم يتفاجأ زوجي بردّة فعلي ولا بما فعلتُ، ولم أفكّر في الأمر كثيرًا .. لا شيء أهمّ من انتعاش روحك وعودتها إليك من جديد .. خَرَج من الغرفة، حتى أنني ظننتُ أنه قد جاء بي لزيارته ! ولم يأتِ هو لزيارة صديق !

مرّ الوقتُ سريعًا، أحكي له قصّة خلت منه، ويحكي لي قصّة لم تخلُ منّي .. كنتُ أستمد قوّتي منه .. فلا أحتاج أن أكون قويّةً مزيدًا من الوقت .. تركتُ العنان لمشاعري وعيوني .. تحررتُ

وأصبحتُ آتي إليه كلّ يوم .. أقضي معه كل أوقات الزيارة المتاحة، نخرج في حديقة المشفى، أو آخذه بإذن إلى مطعم قريب، أو منتزه مجاور .. نقضي وقتًا لم أقضِ مثله في حياتي .. سعدتُ بصحبته وعاد بريق الحياة إليه .. وعدتُ أنا إلى الحياة من جديد

لم أفكّر لماذا فعل زوجي ذلك، فلربما كان هذا المعروف الأكبر الذي فعله بحقي .. لم أحاول حتى أن أستفسر منه .. كنا نعيش حياتين مختلفتين، خطان متوازيان .. نلتقي في آخر الليل .. نتبادل القليل من الكلمات .. ثم يذهب كلّ منا لفراشه .. لأصحو مبكرًا لزيارةِ الشخص الوحيد الذي امتلك فؤادي دونما إذن .. ليأتينا اتصال منه في منتصف النهار يطمئن على كلينا .. وهكذا إلى نهاية اليوم .. كلّ يوم

حكى لي كيف بدأ الأمر .. عندما تعرّض لحادث سير أُدخِل المشفى على إثره ..

- لماذا لم تخبرني ؟
- لم أشأ أن أزعجك.
- لهذا انقطعت رسائلك وعادت رسائلي إليّ؟
- نعم..فقد أقمت في المشفى وقتًا كان كافيًا لتغيير مكان سكني.
- كان يمكن أن نكون معًا .. أن تكون عائلتي مختلفة.
- لم يكن ليصبح لكِ عائلة.
- ؟
- أنا لا أنجب.
- وما الغريب في هذا ؟ هل تظنني أتيه ولعًا بالصغار؟ أم أنني أهوى اكتساب المزيد من الآثام أثناء تربيتهم من جديد؟
- لكنكِ فعلتِ .
- أعترف أني فعلت .. لكن الأمور وقتها كانت ستختلف.
- دعينا لا نتعاتب على ماض، لنحيا حاضرنا.
- معك حق.
- كوثر .. لا تبكي.
- بل سأفعل .. فلم أبكِ منذ زمن طويل، وإن لم أبكِ وأنا معك فمتى سأبكي؟
- يـا إلهي .. لقد أضعتُكِ.
- يـالـه من اكتـشاف ! هيّا بنا ..

وذهبنا يومها لمركز تجاري قريب .. دخلنا فيلما كوميديًا لم نضحك فيه .. أكلنا شيئًا نسينا طعمه .. لكننا كنا سعداء
بوجودنا معًا.. أفتقد الآن كلّ لحظة في ذلك الوجود




د. كوثر
أغسطس 2008