...مذكرات د.كوثر © 2007-2018 جميع الحقوق محفوظة للكاتبة.لا يمكن نسخ أو استخدام أي من المحتوى بأي شكل بدون ذكر المصدر...

Wednesday, September 3, 2008

مذكرات ~ 11

كم هو رقيق ذلك الحدّ الفاصل بين الخيال والواقع

الكتابة - وكما تقول مستغانمي - تغيّر علاقتنا مع الأشياء، وتجعلنا نرتكب خطايا، دون شعور بالذنب، لأن تداخل الحياة والأدب يجعلك تتوهم أحيانًا أنّك تواصل في الحياة، نصًا بدأت كتابته في كتاب

مخيفة لكنها حقيقة ! شخصيّا حدث لي هذا كثيرًا .. كم من مرّة كدت أفعل ما لا يمكن التفكير أبدًا في مجرد الإتيان به، وكم مرات أُخَر فعلتُ ما لا يُصدّق أو قلتُ ما فُغِرت له الأفواه.. لمجرّد أنني كتبتُ ذلك في قصّة أو قرأتُه في رواية ! أو - ببساطة- هكذا تفكّر بطلة رواية ألّفتها في خيالي!

الكتابة تجعلنا نخلط بين الواقع والخيال وتجعلنا نعيشُ شيئًا ثالثًا لا هو بحياة تطبيقية ولا هو بخيال بحت !

خليط لزج .. هلامي.. لن يفهمه إلا كاتب، أو قارئ نهم .. ولم يجرّبه إلا مجنون !

ذلك .. أنه - سوى الكتاب - لا يشترك معهم في ذلك سوى المجانين.. لأن حياتهم التي يعيشونها خاصّة بهم .. لا يستطيع أن يفهمهم باقي البشر، ولا يستطيع الدخول إلى عالمهم الخاص من هو من خارج فئتهم

وعلى قدر ما تُعَرّينا الكتابة، وتكشف مشاعرنا أمام الآخرين، فإنها تجعلنا أكثر شكًا بأنفسنا ! لأننا نكتشف بأنفسنا أشياء لم نكن نعرفها ونتلمّس مناطق خَطِرة في أرواحنا لم نعتقد أنها كانت فينا كلّ هذه المدّة .. لأننا بالكتابة قد نعبّر عن أشياء نريدها حقيقة ولا نستطيع - لبقيّة من واقعيّة- أن ننفذها، فنواسي أنفسنا بممارستها حِبْرًا على ورق .. نعطي حروفنا بُعدًا بعرض ورقة .. ونبقى أضعف من أن نمنح أنفسنا أيّ بُعدٍ لنعيشها .. فنكتفي بالتفنن في حياةٍ نصنعها نحن .. نعيشها نحن فقط .. داخل أقلامنا وبين أوراقنا ..

لذلك .. إن حدث وجعلتنا الحياة في موقف عشناه من قبل على الورق، تصرّفنا كما يتصرّف بطل الرواية تمامًا وأكملنا ما بدأ على الورق !

" عندما قلتُ له أنني أحبه .. توقّعتُ ردًا مماثلا .. لقد قالت لي عيناه ذلك من قبل ! .. لكنني استيقظتُ على صوت أقدامه مبتعدًا وهو يتهمّني بالجنون" !

****

نورا أيضًا تكتب، إنتاجها لا بأس به أبدًا .. بل يمكن أن أقول، أنها موهوبة كبيرة .. أخبرتها أن تراسل المجلات والصحف .. أن تحاول أن تنشر ما كتبته كي لا تختنق كلماتها في أدراجها .. كما هي حالتي، فقد أفقتُ متأخرًا جدًا .. ذلك أننا - نحن العرب- لا ندرك قيمة أغلب الأشياء إلا بعد رحيلها، ولا أغلب الأشخاص إلا بعد فقدانهم، تجدنا طالما هم موجودون لا نعبأ بهم، فإن غابوا عنّا ضعنا .. وبكينا ندمًا على كبرياءٍ جاء مسبقًا على غير موعده، وانتظارٍ طال دون طائل

نحن لا نصنع التماثيل إلا للذين قُتِلوا شرّ قتلة فداء لما يسمّى بالوطن، أو للذين أفنوا حياتهم في سبيل أن يستمتع الآخرون، نحن لا نقدّم لهم شيئًا، فقط نصنع هذه التماثيل لأنفسنا .. لأننا لم نكتفِ بحياتهم، بل تمادينا في ذلك وأردنا منهم أن يلهمونا حتى بعد أن أصبحوا رفاتًا .. نصوّر لهم حياةً غير حقيقية ونضعهم أمامنا .. لأننا أنانيون !

وندّعي أننا بذلك نخلّد ذكراهم .. وأن ذلك تكريمًا لهم !

أي تكريم ذلك في أن تكون على هيئة حجارة يمرّ بك العالم والجاهل .. عرفك من عرفك وجهلك من جهلك ؟ برأيي، يكون التكريم الحقيقي في تركِ الميّت بسلام في رقدته !

يتذكره محبّوه في أروقةٍ للذكرى، فيما بينهم وبينه، يتحدثون عنه، بلا صخب زائف.

****

لماذا تأتي علينا بعض الأوقات تكثر فيها الأسئلة؟ ورغم عمري هذا والآثار التي تركها في وجهي ونفسي زمنٌ ليس كأي زمن ! إلا أن أسئلتي، دائمًا موجودة .. ودائمًا بلا أجوبة

بعضها محمول معي منذ الأزل، منذ بدئي ! لم أجد له جوابًا بعد .. وبعضها متجدد .. تأتي بها الأيام على غفلة

عندما كنتُ صغيرة كنتُ دائمًا أتساءل، ماذا لو لم أوجد ؟ كيف سيكون مصيري؟ وهل كنتُ سأشعر بذلك؟ هل كنتُ سأفضّل المجيء على البقاء في العتمة؟ ولماذا نفصل الرجال عن النساء دائمًا ولا ينفصل أبي عن أمي؟

في مراحل متأخرة تعددت أبعاد الأسئلة وتوحشّت أكثر .. وبدأت تتخذ منحًى عرفتُ بعدها أنه خطٌ أحمر لا يجوز الاقتراب منه، ولا أتعظ .. كمن يريد استراق النظر من فرجة صغيرة إلى عالم آخر لا يستطيع أن يعقله


كم أودّ لو وجدتُ صفحة FAQ لكلّ منا يعود إليها عندما تتأزم لديه الأمور، صفحة تكون مرجعًا خاصًّا بي وحدي، أسأل فيها أسئلتي الخاصة والحميمة .. تلك التي لا أريد أن أسأل أحدًا عنها ..لأن استشارة الناس في بعض الأشياء لا تأتي بخير.. بغض النظر عن المستشار.

لكن، من قال أن حياتنا مجرّد صفحة ويب؟


د.كوثر
الشهر التاسع 2008