...مذكرات د.كوثر © 2007-2018 جميع الحقوق محفوظة للكاتبة.لا يمكن نسخ أو استخدام أي من المحتوى بأي شكل بدون ذكر المصدر...

Tuesday, December 2, 2008

مذكرات ~ 14

قالَتْ: هنّ مجموعة من المخبولات فِكْريًا.. أتُرى لذلك لم يحظينَ بأزواج وأطفال كالنساء الأخريات؟

ملأتُ لها فنجان القهوة مرّة أخرى ..

أكملَتْ بعقل غائب وكأنها تشرب خمرًا: رغم أن كلّ واحدة فيهن تعيش قصّة حب عريضة ليس لها أوّل من آخر .. لكنّ أيًّا منهن تزوجت، أتظنين أن العيب فينا ؟ وأننا نهرب من مسؤولية الحمل والإنجاب ومن ثمّ البقاء حبيسات المنزل؟ والتحوّل إلى شيء من القطع الكبير، ليتحوّل نظر أزواجنا إلى رشيقات التلفاز أو العمل ؟ وينسون يومًا كيف كنّا، وننسى نحن أيّ شيء آخر ويتخلّف عقلنا عدّة سنوات ثم يستقر للأبد في وعاء للمحشي؟

لم أضْحَكْ، رغم أنني أردتُ ذلك بشدّة، بينما أخذَتْ هي تمحو ما تساقط على جانب فمها بمنديل وأشارتْ لي أنّها ستملأ فنجانها بنفسها هذه المرّة، أشرتُ لها أن تتناول بعض الشوكولا، فالقهوة بمذاق الشوكولا لها طعم آخر سِحري، وأومأتُ لها أنني أصغي، فأكملَت بحزنْ: أكره الصورة التي تربينا على أنّ من المفترض أن نكون عليها.. لأنّها فاشلة، الكثير من الآباء أراهم صامدون لأجل انعدام خياراتهم الأخرى، لا تلوميني لأنني رفضتُ أن أتزوج المعيد الذي أحببتُ، قال أنّ عليّ أن أسافر معه فورًا وأنا لستُ مستعدة لذلك، ربما أخطأتُ، لكنّه أرسل لي مؤخرًا أنه لن يتزوّج سواي وأنه سينهي دراسته ويأتي، وسواء ذهبتُ إليه أم انتظرتُه فهو يقول أنّه على الوعد، هل تصدقين هذا ؟

تضحك بيأس .. ثم تذهب لتفتح الباب .. بينما أذهب لأجلب المزيد من القهوة للضيفات !

نورا حفيدتي، تقوم بملاقاة صديقاتها كل فترة وأخرى، عرضتْ عليّ أن يكون الاجتماع لديّ، ولم أمانع، أريد بشدّة الجلوس مع الشابّات والاستماع لحكاياتهنّ ومحاولة تقديم أيّ مساعدة ممكنة .. حتى لو كانت مساعدتي هذه .. مجرّد الإصغاء .. وتقديم القهوة !

دخلتُ فإذا بالفتيات جالسات، بادرتني نورا قائلة: ريم مرّت وأقلّت الجميع بسيارتها.. خشين أن يزعجنكِ إن جئن على دفعات !

ضحكتُ طويلا وأخبرتهم أنني مازلتُ في شبابي ! صحيح أن عُمري يزداد مع الزمن باطرّاد مرعب، وأنني أصبحتُ عجوزًا منذ ولجتُ عقدي الثاني تقريبًا، لكنني ما زلتُ شابّة ! ولستُ بالتي تصرخ فزعًا عندما يرنّ جرسٌ ما..

عرّفتني عليهنّ نورا ..

ريم .. تعمل في إدارة الأعمال بإحدى الشركات الكبرى، توفي أبوها حينما كانت مراهقة، وهي وحيدة والدتها.. قالت ريم فيما بعد: ولا أدخل أو أخرج دون أن أسمع دعواتها عليّ بمن يسترني، وتضحك طويلا .. ثم تقول: دائمًا ورغمًا عنّي أتخيّل كلما قالت ذلك، أنني عارية وأنّ هناك رجل لابد أن يأتي وفي يده ملابس لكي يستر عُرْيـي في أسرع وقت !


منال، زوجة وأم لا تعمل .. خرّيجة جامعية وتحضّر دراسات عليا في إدارة الزوج ! هكذا يطلقن عليها رفيقاتها، فتلوي فمها تعبيرًا عن الحزن، ثم تقوم لتحضر شيئًا تأكله !

قالت نورا تحكي قصّتها: صديقتي هذه أحبّت شابًا عبر الشَبَكَة، لكنّها لم تستطع أن تُخْبِرَ أهلها، ولمّا تقدّم لها زوجها الحالي، وهو شخص مقتدر ماديًا والأهل يعرفان بعضهما جيّدًا .. ما الذي يمكن أن يمنع إتمام هكذا زيجة؟ منال شخصية جميلة جدًا لكنّها استسلمت للمجتمع درجة أنّها سريعًا ما تحطّمت بقيوده، كلّنا قلنا لها ذلك، لكنّها كانت أضعف من أن تقاوم، كما أنّها الآن أضعف من أن تقاوم أو تغيّر أيَّ شيء !

قالت منال تحكي: تصوّروا، ذات مرّة ونحن نشاهد التلفاز والملل يقتلنا ببطء مستفزّ، أردتُ أن أفعل شيئًا فاخترعتُ لعبة ارتجالا، قلتُ له – وأنا أعرف تمامًا أنه مشاهد جيّد للتلفاز والأفلام الأجنبية- ما رأيك أن نجرّب القُبَل الأجنبية بالترتيب، ونرى أيّهما تفوز، وغمزتُ له .. لأجد أنّ ملامحه تحوّلت ليهبط عليّ إعصار من الأسئلة: من أين عرفتِ هذه اللعبة، ومن علّمكِ إياها ! وأسئلة ونظرات شكّ يمكن فقط أن تتأتي ببالك لو أنّ الشخص الذي أمامك تراه لأول مرة في مصعد ما، أو في حافلة أو محطّة قطار .. وليست زوجتك لأكثر من عامين !!

ضحكت وفاء مقاطعة: أعتذر عن المقاطعة، لكنّ حديثك ذكّرني بأمنية لديّ، هي أنّ بودّي أن أرى امرأة واحدة فقط في الكون لا تذم زوجها أمام الأخريات! يبدو أنني لن أرى هذه المرأة أبدًا، لذلك أحاول أن أكونها، منذ صغري وأنا أسمع شكوى النساء من أزواجهنّ، وكنتُ بسذاجتي أقول أحيانًا: لماذا لا تطلبين الطلاق؟ فأصدمهنّ بإجابتي المتسائلة حتى يلهوني بأيّ شيء آخر، ربّما محاولة منهنّ للتغطية على الخطأ الجماعي الذي يمارسنه بشكل علني، لقد اتخذتُ قرارًا .. الرجل الذي أدافع عنه في غيابه هو من سأتزوجه فورًا !

أهذا هو نصيبي من اسمي كما أُفَلسِفَ قضيّتي؟

والتفتت فجأة تجاهي متسائلة: هل كنتِ تذمّين زوجك يا سيدتي؟




د.كوثر
ديسمبر 2008

Wednesday, November 5, 2008

مذكرات ~ 13

عن "مفطروا رمضان" أتحدث... وجمعيّة "المفطرون في رمضان".. هذه الجمعيّة وكما يبدو من اسمها تضمّ أعضاء يجب أن تتوفر فيهم عدة مؤهلات، أهمها: حبّ الاختلاف عن المجتمع والافتخار بذلك، سواء كان ذلك مبنيًا على حق أم على باطل، لا يهم إن كان ذلك مخالفًا للدين أم لا !

المهم الاختلاف الشديد الذي يجعل الأنظار تتجه إليك والأصابع تمتد نحوك !

المساكين، لا يعلمون أنّما يؤذون أنفسهم، بإعلان إفطارهم في رمضان، والاحتجاج على فرض من فرائض الله، دون دراسة متأنية، أوتفريق بين مخالفة المجتمع فيما يفعله من أخطاء، ومخالفته بفعل ما لا يقوم به من أخطاء !

أتفق معهم في أنّ المجتمع ينافق نفسه، مجتمعٌ يَغْسِلُ أسْنَانَه ثلاثًا في الصَّباح بينما رائحته الكريهة نابعة من لِسَانِه، يُـعْلِنُ التَّوْبَةَ في رمضان دون أن ينويها حقّا كديدن حياته، يقوم بتوقيع عقد توبة –مؤقت-معلوم الأجل، المساجد ممتلئة، التسامح على أشدّه، اصفعني على خدّي الأيمن فسأدير لك الأيسر أيضًا لأنّ"رمضان كريم"..
وبعد رمضان تجد كلّ شيء عاد لما كان عليه، المساجد تخلو من روّادها، وتسقط الأخلاق ثقيلةً فلا تجد من يحملها.. ونطالب بضريبة لكلّ الصفعات الماضية !

إذن؛ هل تكون مخالفة المجتمع في نفاقه اللا متفق عليه هذا بعدم الصوم أصلا كإثبات غير معلن باستمرارية الحال والثبات على المبدأ ؟ كيف – داخليًا- ينتفي إحساس النفاق لمجرد الأكل والشرب بينما المجتمع صائم؟ أليس في هذا نفاق للذات؟وخداع لها ؟

لكنّنِي – رغم مأخذي على من يفعل ذلك - لا ألومهم كُلِيًّا، لأنّ الذين يُعْلِنون فعليًا أو قوليّا أنهم خلفاء الله في الأرض، وأنهم مصدر دينه وحَمَلَة رسالته السماوية أوّل من يقوم بتشويه الكثير من المفاهيم لدى العامّة _ والعامّة ليست سبّة بالمناسبة كما أسمع كثيرًا .. ! أنا من العامّة في الطب- رغم أنني مررتُ بما لم يمرّ به أحد، ومرضت بفنون الأمراض وعولجْتُ ومازلتُ - بينما من العلماء في بعض فروع الإحصاء مثلا .. ! هذا تخصصي فقد أفنيتُ عُمْرِي أُبحِرُ في هذا العِلْم، كي لا يأخذني الاستطراد بعيدًا _ كنتُ أقول أنّ من يدّعي أنه مصدر للدين، أوّل من يُنَفِّر الناس منه، بتصرّفاته وتعاملاته الغريبة ..

وفي الدّين – كما الحبّ-، كلمّا زاد جهل المرء زادت سعادته، وقلّ القلق والتفكيـر .. كما الحكمة القائلة: إذا لم تعرف إلى أين أنت ذاهب، فكلّ الطرق مناسبة! كل الطرق ستجعلك تصل، سواء اخترتَها أنتَ أم اختارها لك أحدهم ! لا فارق ..

لأن أصحاب هذا المذْهَب"العلاقة الـمُطَرّدة (الجهل، السعادة)" يعيشون لإشباع رغباتهم الأساسية، الغرائز الإنسانية-الـ"طـينيّة" إن كان يمكن أن نسمّيها كذلك ! فلا يشغلهم سوى ماذا سنأكل اليوم، متى أتزوج، ماذا سأسمّي أبنائي، وتحقيق هذه الأشياء هو الشغل الشاغل والغاية القصوى منذ الوعي، وتجد أنها التعريف الأوحد لكلمة استقرار، ومفردات سكن!

صحيح أنني تزوجتُ وأنجبتُ، تزوجتُ لأرضي أمّي فقط، ولم يتسنّ لي أن أتزوج الشخص الذي أحببتُه، لكنني لم أفكّر يومًا في الزواج على أنّه الاستقرار المُنْتَظَر ! وكنتُ أرى أنّ وراءه من المسؤوليات ما هو أكبر من أن يجعلني بهذه السعادة، لطالما كانت سعادتي الحقيقية في جلسات الأصدقاء نتبادل الأحاديث، أو نتشارك عملا ما، أو نتغدّى سويًا .. ربما لو تزوجتُ من أحب لكان الأمر مُخْتَلِفًا ! ولوجدتُ ذلك "الاستقرار" الذي يزعمون ! أقول ربّما !

كما أنّ التعمّق وكثرة التفكير أو البحث حول الدّين – كما الحبّ أيضًا !- في أفضل أحواله يؤدي إلى الفصام !
أو إلى الجنون !

الدين، قد يؤدي الخوض فيه والانغماس لدرجة كبيرة في تفصيلاته؛ إلى الانفصال عن المجتمع تمامًا على أقلّ تقدير!

والعيش في عالَم مختلف، أو التعرّف على بعض من يشاركوننا عزلتنا لننعزل سويًّا..

في أفضل الحالات يكون الفصام، والانقسام في رؤية جُلّ ما يفعل المرء إلى منظورين، أحدهما يؤكد له أنه برد حلال، والثاني يؤكد أن مقعدًا له محجوز في الجحيم!

بينما في الحبّ، يكون الفصام درجة أقلّ عن الجنون بـمقدار شَعْرَة ! عندما يُغْضِبْنا المحبوب في أمر ما، فلا ندري أيّ التصرفين أحقّ بالأخذ، أنخبره أننا غضبنا لما فعل، أم نغوص أكثر في بحر المعاناة وحدنا بينما سفينتنا تُبْحِر بمنتهى الأمان على الوجه!

"سأذهب إليه لأسلّم عملي، كلا .. عندما تأتي صديقتي الآن سأعطيها عملي لها ولتذهب هي به إليه"

ذلك أننا نعتبر أن مجرّد ذهابنا هو اعتراف غير معلن بالحبّ، وتصريح بأن الشوق قد غَلَبَنَا، ورفع لراية الضعف ولو بيننا وبين أنفسِنا، وربما لا يفقه الطرف الذي نهتمّ به كل هذا الهراء الذي يعتمل داخلنا، وهو ما يزيد من فصامنا !

قياسًا على ذلك الكثير من التصرفات التي ننقسم أمامها أمام طريقين متناقضين تمامًا .. في الدّين .. وفي الحبّ!

البعض يقوم بتسهيل الأمور .. فيختار "لا" طوال الخطّ .. طوال حياته تجده يرفض كلّ شيء، كلّ جديد، كلّ موقف يحتاج منه إلى تفكير أو قرار ستكون إجابته لائيّة-فكلّ حلّ (نعم) له مشكلة-، والبعض الآخر يقوم بتسهيلها باختيار"نعم" فكلّ الأشياء قابلة للتنفيذ أيّا كانت، أي موقف يحتاج إلى قرار فـ "نعم" ولن تحدث مشاكل في الحياة بـالموافقة! ..

أنتم يا من صنعتُم مشكلة بتعقيداتكم وسماحكم بحريّة اللغة لتحوي "النعم" والـ"لا" ! ما الذي يجعل من اللغة إذنْ متحَكِّمًا فينا إلى هذا الحدّ ؟

هوّنوا عليكم، فليستِ اللغة دليل سعادة البشر، ولا كلّ ما جاء فيها جاء لنستعملُه !

ربما يكون لديك محمولا به إمكانات مهولة، ولا تستعمله سوى لإجراء المكالمات وتبادل الرسائل النصيّة فقط!

ما المشكلة إذن؟ أنت حتى لا تستطيع أن تهاتِف بوساطته من تريد، ولا يأتيك عبره كُلَّ صباح صوتٌ تحب أن تسمعه كي تقضي بقية يومك بأبسطِ التعابير .. "حَيًّا" !

أين المشكلة إذن؟



د.كوثر
نوفمبر 2008

Friday, October 3, 2008

مذكرات ~ 12

"ثمّة نوعان من الرجال، نوع يشعرني أني أنثى، ونوع يلحّ باستمرار لأكون له أمًّا.."


من وجهة نظري في الحياة، حياتي – وهي ليست بالقصيرة أبدًا- ؛ لم أجد نوعًا ثالثًا بعد ! حتى الأخ يريد من أخته أن تعامله كما تعامله أمه !


لا يوجد ذلك النوع الذي يحب المرأة بضعفها وجنونها ويفهمها حين تحتاج إلى صديق يسمعها، مقولة ماجدة .. كن صديقي .. لم تنبع من فراغ، لأنها لم تجد – على الأرجح- سوى ذانِك النوعين، بينما تبحث عن نوع ثالث.


ذلك الذي لا ينتظر من المرأة مقابلا ماديّا مقابل اهتمامه ووقته، ولا استماعه لها، لا ينظر إليها على أنّها كائن مخلوق لمتعته الخاصّة، ولا لخدمته والفناء من أجل أن يكون "عظيمًا خلفه امرأة!"


لا أعرف من يمكنه ممارسة هذا الدور بجدارة سوى أبّ، مع أنه أحيانًا يريد من ابنته أن تعامله بحنو الأم، إلا أنه الصديق المثالي حتى الآن.


أيام الجامعة تصوّرتُ أنّني وجدتُ هذا النوع الثالث .. تلك الفئة من الرجال التي لا تشعر المرأة بالخجل من وجودها أمامهم، ولا تودّ الهروب بأسرع وقت للتخلّص من نظرات أعينهم، بعض زملائي في الجامعة كانوا من تلك الفئة الثالثة – أو هكذا ظننتُ- إلى أن اكتشفتُ أن مقولتي الأولى هي الأصح والأعم .. لا يوجد نوع ثالث مهما هُيئَ للمرأة وجوده!


كنا مجموعة كبيرة من الأصدقاء والصديقات، طيلة سنوات الدراسة معًا .. تعارفنا كان في مكتبة الجامعة، بدأ التعارف عندما وجدنا أنفسنا نبحث عن ذاتِ الكتب، نقرأ في نفس المجالات، نتحدث عن نفس المواضيع، فانضممنا إلى بعضنا إلى طاولة واحدة ذات مرّة، ومنذها ونحن معًا حتى آخر سنة لنا في الجامعة، كان أصدقاؤنا الشباب حقّا من أفضل الرجال الذين قابلتهم في حياتي، ذلك النوع الثالث المريح، الذي لا تودّ الهروب منه، بل تفضّل أن تقضي معه يومك كلّه دون ملل، وكانت صديقاتي كذلك .. كنّا فريقًا رائعًا .. كنا نجلس في كافتريا الكليّة في أوقات فراغنا، أو نخرج لنتمشى معًا .. وقمنا بعدّة رحلات سويًا والتي تقيمها الجامعة، والصور تشهد على سعادة تلك الأيام .. فالابتسامة فيها صادقة، والنفوس صافية.


كانت أيامًا رائعة من حياتنا.. انتهت بعد أن انتهينا من الدراسة.. للأسف..


بعض الشباب التحق بالخدمة العسكرية، وبعض الفتيات تزوجن وسافرن، البعض الآخر تقدم للبعض الأُخَر ولم يُقدّر لبعض العلاقات أن تكتمل فساهم هذا في تفريق الشمل أكثر !


المهم أنني الآن على علاقة بالبعض فقط، الذين سمحوا لي بأن أظل على علاقة بهم !


الإنسان هو الذي يحدد متى قد تنتهي علاقة ما، ربما لا يحدد متى تبدأ \ كيف أو أين، لكنه وحده يقرر متى ستنتهي، عندما يرى أن مشاعره مستـنـزفة أكثر من اللازم، وأن جهوده تضيع بلا تقدير وعطاءه يذهب دون مبادلة .. فإنه –بوعي أو بدون- ينسحب تدريجيًا – نفسيًا- أو ماديًا من علاقة كهذه.


والإنسان وحده أيضًا يحدد إن كان يريد أن تستمرّ علاقته بأحدهم، فإنه يصرّ على الوصول إليه مهما كانت الظروف، ربما في شبابي كانت الأمور أصعب، بسبب وسائل الاتصالات البدائية حينها، لكنّ الأمر لم يكن مستحيلا كذلك، لكننا الآن نتعثر بمن لا نريد، إن لم يكن في الشـارع ففي منتدى، في مدونة، أو حتى في الفيس بوك !


بينما لا تحدث تلك المصادفات السعيدة مع من نشتاق إليهم ونرغب أن تتعثر بهم أعينـنا على أرصفة الحياة وطرقات مشاويرنا، ولا أعلم السبب الحقيقي لذلك، قديمًا كانوا يفسّرونها بـ: اللـي تـخـاف منّـه تلاقيه !


الآن أفسّرها بأننا عندما نريد شيئًا حدّ المـوت، فإننا نعلم يقينًا مسبقًا أنّ ذلك لن يحدث، وإلا انتقل الفعل من خانة"الرغبة" إلى خانة" التوقّع"، كم نلعب على وتر الـ"لعلّ وعسى" أو "ربما"؛ أنا أسير في الطريق الذي أعلم جيّدا أنه لا يقاطعك، وآمـل أن أصادفك فأصادف شخصًا لا أريده يسكن في الجوار وآتي للتحدث عن فلسفة رؤية من لا نريد وهذا الهراء !


ليس لديّ تفسير آخر في الواقع، ربما يتعلق هذا بالـ"حظ"، أنا لا أعتبر نفسي محظوظة، في الغالب كنتُ وكما يقول شباب هذه الأيام"فَـقْـر"، لكن ضربات الحظ عندما تأتيني فإنها تنسيني حقًا أيّ سوء حظ سابق.!

د.كوثر

اكتوبر 2008

Wednesday, September 3, 2008

مذكرات ~ 11

كم هو رقيق ذلك الحدّ الفاصل بين الخيال والواقع

الكتابة - وكما تقول مستغانمي - تغيّر علاقتنا مع الأشياء، وتجعلنا نرتكب خطايا، دون شعور بالذنب، لأن تداخل الحياة والأدب يجعلك تتوهم أحيانًا أنّك تواصل في الحياة، نصًا بدأت كتابته في كتاب

مخيفة لكنها حقيقة ! شخصيّا حدث لي هذا كثيرًا .. كم من مرّة كدت أفعل ما لا يمكن التفكير أبدًا في مجرد الإتيان به، وكم مرات أُخَر فعلتُ ما لا يُصدّق أو قلتُ ما فُغِرت له الأفواه.. لمجرّد أنني كتبتُ ذلك في قصّة أو قرأتُه في رواية ! أو - ببساطة- هكذا تفكّر بطلة رواية ألّفتها في خيالي!

الكتابة تجعلنا نخلط بين الواقع والخيال وتجعلنا نعيشُ شيئًا ثالثًا لا هو بحياة تطبيقية ولا هو بخيال بحت !

خليط لزج .. هلامي.. لن يفهمه إلا كاتب، أو قارئ نهم .. ولم يجرّبه إلا مجنون !

ذلك .. أنه - سوى الكتاب - لا يشترك معهم في ذلك سوى المجانين.. لأن حياتهم التي يعيشونها خاصّة بهم .. لا يستطيع أن يفهمهم باقي البشر، ولا يستطيع الدخول إلى عالمهم الخاص من هو من خارج فئتهم

وعلى قدر ما تُعَرّينا الكتابة، وتكشف مشاعرنا أمام الآخرين، فإنها تجعلنا أكثر شكًا بأنفسنا ! لأننا نكتشف بأنفسنا أشياء لم نكن نعرفها ونتلمّس مناطق خَطِرة في أرواحنا لم نعتقد أنها كانت فينا كلّ هذه المدّة .. لأننا بالكتابة قد نعبّر عن أشياء نريدها حقيقة ولا نستطيع - لبقيّة من واقعيّة- أن ننفذها، فنواسي أنفسنا بممارستها حِبْرًا على ورق .. نعطي حروفنا بُعدًا بعرض ورقة .. ونبقى أضعف من أن نمنح أنفسنا أيّ بُعدٍ لنعيشها .. فنكتفي بالتفنن في حياةٍ نصنعها نحن .. نعيشها نحن فقط .. داخل أقلامنا وبين أوراقنا ..

لذلك .. إن حدث وجعلتنا الحياة في موقف عشناه من قبل على الورق، تصرّفنا كما يتصرّف بطل الرواية تمامًا وأكملنا ما بدأ على الورق !

" عندما قلتُ له أنني أحبه .. توقّعتُ ردًا مماثلا .. لقد قالت لي عيناه ذلك من قبل ! .. لكنني استيقظتُ على صوت أقدامه مبتعدًا وهو يتهمّني بالجنون" !

****

نورا أيضًا تكتب، إنتاجها لا بأس به أبدًا .. بل يمكن أن أقول، أنها موهوبة كبيرة .. أخبرتها أن تراسل المجلات والصحف .. أن تحاول أن تنشر ما كتبته كي لا تختنق كلماتها في أدراجها .. كما هي حالتي، فقد أفقتُ متأخرًا جدًا .. ذلك أننا - نحن العرب- لا ندرك قيمة أغلب الأشياء إلا بعد رحيلها، ولا أغلب الأشخاص إلا بعد فقدانهم، تجدنا طالما هم موجودون لا نعبأ بهم، فإن غابوا عنّا ضعنا .. وبكينا ندمًا على كبرياءٍ جاء مسبقًا على غير موعده، وانتظارٍ طال دون طائل

نحن لا نصنع التماثيل إلا للذين قُتِلوا شرّ قتلة فداء لما يسمّى بالوطن، أو للذين أفنوا حياتهم في سبيل أن يستمتع الآخرون، نحن لا نقدّم لهم شيئًا، فقط نصنع هذه التماثيل لأنفسنا .. لأننا لم نكتفِ بحياتهم، بل تمادينا في ذلك وأردنا منهم أن يلهمونا حتى بعد أن أصبحوا رفاتًا .. نصوّر لهم حياةً غير حقيقية ونضعهم أمامنا .. لأننا أنانيون !

وندّعي أننا بذلك نخلّد ذكراهم .. وأن ذلك تكريمًا لهم !

أي تكريم ذلك في أن تكون على هيئة حجارة يمرّ بك العالم والجاهل .. عرفك من عرفك وجهلك من جهلك ؟ برأيي، يكون التكريم الحقيقي في تركِ الميّت بسلام في رقدته !

يتذكره محبّوه في أروقةٍ للذكرى، فيما بينهم وبينه، يتحدثون عنه، بلا صخب زائف.

****

لماذا تأتي علينا بعض الأوقات تكثر فيها الأسئلة؟ ورغم عمري هذا والآثار التي تركها في وجهي ونفسي زمنٌ ليس كأي زمن ! إلا أن أسئلتي، دائمًا موجودة .. ودائمًا بلا أجوبة

بعضها محمول معي منذ الأزل، منذ بدئي ! لم أجد له جوابًا بعد .. وبعضها متجدد .. تأتي بها الأيام على غفلة

عندما كنتُ صغيرة كنتُ دائمًا أتساءل، ماذا لو لم أوجد ؟ كيف سيكون مصيري؟ وهل كنتُ سأشعر بذلك؟ هل كنتُ سأفضّل المجيء على البقاء في العتمة؟ ولماذا نفصل الرجال عن النساء دائمًا ولا ينفصل أبي عن أمي؟

في مراحل متأخرة تعددت أبعاد الأسئلة وتوحشّت أكثر .. وبدأت تتخذ منحًى عرفتُ بعدها أنه خطٌ أحمر لا يجوز الاقتراب منه، ولا أتعظ .. كمن يريد استراق النظر من فرجة صغيرة إلى عالم آخر لا يستطيع أن يعقله


كم أودّ لو وجدتُ صفحة FAQ لكلّ منا يعود إليها عندما تتأزم لديه الأمور، صفحة تكون مرجعًا خاصًّا بي وحدي، أسأل فيها أسئلتي الخاصة والحميمة .. تلك التي لا أريد أن أسأل أحدًا عنها ..لأن استشارة الناس في بعض الأشياء لا تأتي بخير.. بغض النظر عن المستشار.

لكن، من قال أن حياتنا مجرّد صفحة ويب؟


د.كوثر
الشهر التاسع 2008


Sunday, August 3, 2008

مذكرات ~ 10

سئمتُ لعب دور المرأة القويّة لمدة طويلة .. المرأة الحديدية التي تقوم بكل ما تستطيع وما لا تستطيع، كل الضروري والممكن والمستبعد والمستحيل .. تعبتُ ومن حقي أن أرتاح بعد مشوارٍ طويلٍ

المرأة القوية لم تعد قويّة .. من أسوء الأشياء التي قد تحدث لامرأة- بل أسوأها على الإطلاق- أن ترتبط برجل ضعيف، لتتحول تدريجيًا لامرأة حديدية، عليها أن تخفي مشاعرها، وأن تنعم على الجميع بالعطف .. وأن تبثّ الثقة هنا وهناك .. وإيّاها ثم إيّاها أن تبكي .. أو تضعف

وآه من الدمع .. من قال أن الدمع محرّم على الأقوياء؟ وهل يُطبَعُ على القلب حين الولادة أنه قلبٌ قوي أو ضعيف ؟ أم أن الشخصية تتكون بما تلاقي؟ وتكتسب قوتها أو ضعفها .. حسب اختيارها .. أو إجبارها !

لطالما اخترتُ أن أكون قويّة .. وكرهتُ الضعف .. وداريتُ لحظات ضعفي بكلّ قوّتي .. لأنني لم أجد من يحتوي ضعفي بعد وفاة أبي رحمه الله، وكأنني قررتُ أن أصبح هو .. في قوته ورحمته .. فلا أقبل أن أُرى ضعيفة ..

شيء واحد .. شخص واحد .. لم أعد أقوى أبدًا أمامه على احتمال قوّتي .. أو أن قوتي لم تعد تحتمل قوّة ضعفي .. يا لما يفعله ذلك الشعور .. الفـقـد .. وخشية الافتقاد الدائم .. ذلك الشعور المدمّر بالاشتياق ..

لم أستعد كل تلك المشاعر وبعد كل تلك السنوات، إلا بعد أن رأيته ممددًا في السرير الأبيض .. كنتُ أدخل إلى الغرفة بثقة .. لم يقل لي أنه ر ا ئـ د ،

لـ م يـ قـ ل لـ ي أ ن صـ ديـ قـ ه الـ مـ ريـ ض ا لـ ذ ي نـ ز و ر ه

مـ ا هـ و إلا ر ا ئـ د .. حـبـيـبـي

لحظتها .. سئمتُ لعب دور القوية .. وانهرتُ بالبكاء بجواره .. احتضنت كفّيه بين يديّ أقبّلهما وأعتذر ..

عن ماذا أعتذر؟

من الذي يجب عليه الاعتذار ؟

لقد فضّل هو أن يمثّل دور القوي الذي اختفى .. على أن يظهر ضعيفًا أمام من يحبّ .. لكنني غضبتُ كثيرًا في داخلي .. هاهو على قيدِ حياةٍ كان يمكن أن تكون لنا وحدنا .. لا يهم أنه في حالة ضعف .. فهي حالة خارجية فقط ..

أخبروني هل كل الأصحاء أقوياء ؟

يا إلهي !

كيف كانت لتصبح حياتي الآن؟

اعتذرتُ لأنني لم آتِ للبحث عنه بنفسي .. اعتذرتُ لأنني تخاذلتُ عنه .. وظننتُ أنّ الأمر لم يكن سوى حالـة مؤقتة، واعتذر بعدما رآني !

لم يكن يعلم أن حالتي ستصبح كذلك ..

ليته عَلِم

لم يتفاجأ زوجي بردّة فعلي ولا بما فعلتُ، ولم أفكّر في الأمر كثيرًا .. لا شيء أهمّ من انتعاش روحك وعودتها إليك من جديد .. خَرَج من الغرفة، حتى أنني ظننتُ أنه قد جاء بي لزيارته ! ولم يأتِ هو لزيارة صديق !

مرّ الوقتُ سريعًا، أحكي له قصّة خلت منه، ويحكي لي قصّة لم تخلُ منّي .. كنتُ أستمد قوّتي منه .. فلا أحتاج أن أكون قويّةً مزيدًا من الوقت .. تركتُ العنان لمشاعري وعيوني .. تحررتُ

وأصبحتُ آتي إليه كلّ يوم .. أقضي معه كل أوقات الزيارة المتاحة، نخرج في حديقة المشفى، أو آخذه بإذن إلى مطعم قريب، أو منتزه مجاور .. نقضي وقتًا لم أقضِ مثله في حياتي .. سعدتُ بصحبته وعاد بريق الحياة إليه .. وعدتُ أنا إلى الحياة من جديد

لم أفكّر لماذا فعل زوجي ذلك، فلربما كان هذا المعروف الأكبر الذي فعله بحقي .. لم أحاول حتى أن أستفسر منه .. كنا نعيش حياتين مختلفتين، خطان متوازيان .. نلتقي في آخر الليل .. نتبادل القليل من الكلمات .. ثم يذهب كلّ منا لفراشه .. لأصحو مبكرًا لزيارةِ الشخص الوحيد الذي امتلك فؤادي دونما إذن .. ليأتينا اتصال منه في منتصف النهار يطمئن على كلينا .. وهكذا إلى نهاية اليوم .. كلّ يوم

حكى لي كيف بدأ الأمر .. عندما تعرّض لحادث سير أُدخِل المشفى على إثره ..

- لماذا لم تخبرني ؟
- لم أشأ أن أزعجك.
- لهذا انقطعت رسائلك وعادت رسائلي إليّ؟
- نعم..فقد أقمت في المشفى وقتًا كان كافيًا لتغيير مكان سكني.
- كان يمكن أن نكون معًا .. أن تكون عائلتي مختلفة.
- لم يكن ليصبح لكِ عائلة.
- ؟
- أنا لا أنجب.
- وما الغريب في هذا ؟ هل تظنني أتيه ولعًا بالصغار؟ أم أنني أهوى اكتساب المزيد من الآثام أثناء تربيتهم من جديد؟
- لكنكِ فعلتِ .
- أعترف أني فعلت .. لكن الأمور وقتها كانت ستختلف.
- دعينا لا نتعاتب على ماض، لنحيا حاضرنا.
- معك حق.
- كوثر .. لا تبكي.
- بل سأفعل .. فلم أبكِ منذ زمن طويل، وإن لم أبكِ وأنا معك فمتى سأبكي؟
- يـا إلهي .. لقد أضعتُكِ.
- يـالـه من اكتـشاف ! هيّا بنا ..

وذهبنا يومها لمركز تجاري قريب .. دخلنا فيلما كوميديًا لم نضحك فيه .. أكلنا شيئًا نسينا طعمه .. لكننا كنا سعداء
بوجودنا معًا.. أفتقد الآن كلّ لحظة في ذلك الوجود




د. كوثر
أغسطس 2008

Thursday, July 3, 2008

مذكرات ~ 9

من قال أن النساء لا يُحسِنّ قيادة السيارات؟ وأجدر بهنّ أن أن يجلسن في منازلهن لحياكة الملابس وترقيع أزرار قمصان أزواجهنّ لأن قيادة السيارات لا تصلح لهنّ؟

من قال ذلك فهو مخطئ على كلّ حال..

وحدي التي قالت؟

مخطئة أنا إذن !

ليس للأمر علاقة بتكوين المرأة .. بل هو أمر متفاوت .. شخصيّ .. كمهارة الإدارة مثلا أو اللباقة .. صفة كغيرها توجد في بعض بني البَشَر عن بعضهم الآخر .. مشهور عن النساء أن قيادتهنّ للسيارات " سيئة" بينما يعتلي الرجال بجدارة صهوة الحوادث!

الذي جعلني أتحدث في الأمر أنني اكتشفتُ أنني أحب قيادة السيارات جدًا.. وأحب فعل ذلك جدًا عندما أكون حزينة أو مهمومة، أحب القيادة على البحر والسير بلا هدف.. وأتمنى لو أن الشارع يمتد بامتداد البحر دون انقطاع، ودون دوران، ودون توقّف

إنها من الأشياء القليلة التي تخفّف عنّي مابي، أن أقود دون هدف..وألا أجد الفرصة لمسح دمعة تسقط خِلسة حتى تستقرّ على ملابسي، ألا أسجنها ولا أمسحها فور ولادتها، أن تتحرّر رغمًا عنّي
الزجاج مغلق، وأنا بالداخل منعزلة عن العالم، السيارات من حولي كموج آخر موازٍ لموجٍ البحر، تُبْحِر بعناد وجنون مثله .. بعضها له مرفأ يتوقف عنده .. وبعضها، مثلي؛ لها فقط شاطئ تصطدم به وتعود لتبحر مرّة أخرى، بحثًا عن ميناء

المهم أنني أجد نفسي في النهاية قد ابتعدتُ كثيرًا .. فأعد نفسي بالرجوع من أوّل دوران يقابلني، ولا أفي بوعدي .. لأكمل عدة كيلومترات أخرى .. قبل أن أعود مرغمة لأن المدينة ستنتهي قبل أن أنتهي أنا

أعود إلى المنزل لأكمل ما بدأتُه أمام البحر .. ومن صوت سعود الشريم لصوت كاظم لغيرهما .. أُبْحِر حسب حالتي المزاجية السمعيّة

أضع سماعات الأذن أحيانُا لتكتمل عزلتي رغمًا عنّي .. وأحيانًا أترك الصوت عاليًا يجوب بحُرِّيَة في أنحاء المنزل ..

وأحيانًا أخرى أغلق كلّ شيء وأستمع لصوت الصمت

وأفكّر بالدنيـا

ليتني وزيرة للتعليم، رغم أنها مسؤولية ضخمة، إلا أنني أتمنى أن أتقلدها، فقط لألغي شيئًا اسمه ثانوية عامّة، من الظلم أن يكون دخول الجامعة معتمدًا على درجات امتحانات سنة، أو سنتين، هذه لعنة عربية بامتياز، وشبح مرعب يرتدي ثوبًا ويمسك بسوط يجلد به الطلبة وآباءهم..

وليت الأمر يعتمد على جهد الطالب خلال السنة أو السنتين، لا ..بل فقط على بضعة أوراق آخر السنة .. ومدى "شطارة" الطلبة في إفراغ ما بأطراف ألسنتهم وسكبها دون أي جدوى..

رأيتُ طلبة وخرّيجين لا يفقهون شيئًا فيما يأخذون وما يمتحنون فيه، وإن سألتهم يوم الامتحان عن شيء قيل لك: هي كدا .. بلغة الـعبد المأمور الذي لا يجرؤ على سؤال سيده: لم فعلتَ هذا ؟ كيف يفعل وهو لا يجرؤ حتى على رفع بصره إليه؟

انتهى موسم الامتحانات، وهذا شيء رائع في حدّ ذاته، وتخرّج أناس وسيدخل الجامعة طلبة آخرون .. وبين هؤلاء وهؤلاء يكون التكرار والملل .. لا أدري ماذا عليّ أن أفعل هذا الصيف .. في هذا الحرّ قد ألجأ للبيات الصيفيّ .. لا مزاج لي للذهاب لأية مصائف .. قد أقرأ وأقرأ وربما أكتب، وأمارس اليوغا والمشي .. واحدة في سنّي هذا لابدّ أن تعتني بصحتها الجسدية .. يكفي أنني لا أتحكم في صحتي النفسية والعقلية .. فلأفعل شيئًا جيدًا في حق نفسي إذن.

لن يكون صيفًا رائعًا كذلك الذي سافرتُ فيه لأمريكا ورأيته..رغم أن قلبي انفطر عليه وقتها .. لكنه كان صيفًا.. دافئًا
بدأ الأمر عندما جاءني زوجي ليذكر أنه قد يسافر لأمريكا عقب الامتحانات مباشرة لأن أحد أصدقائه مريض بشدّة هناك .. ولا يريد أن يتركه في غربته وحيدًا..طلبتُ منه أن أذهب معه .. لا لشيء إلا الملل
أو لنقل .. رغبة في التغيير .. وأملًا في لقاء قد لا يتمّ
جهّزتُ نفسي بشوق .. وكأنني مراهقة على وشك أن تذهب لموعدها الأول .. ونحن في الطائرة – فقد كان زوجي غنيًا- لأن أغلب الرحلات وقتها كانت بالسفن، رغم أن السفن كانت رائعة جدًا، جرّبتها مرّة وكانت رحلة ممتعة، وكان لزوجي أعماله خارج نطاق التدريس، فهو غنيّ بالوراثة، عائلته كانت كذلك، ربما لهذا لم يكن يشعر بالمسؤولية كما ينبغي، أو كان يظنّ أن المال قد يحلّ أعقد المشكلات.

كان على العكس من أبي تمامًا .. وعلى العكس من رائد، لم أشعر بأن قوته ذاتيّة، وأن ثقته تنبع من داخله، آراءه تتغير بحسب أصدقائه، وقوته وثقته كمنحنى دالة أسيّة، ودالة أسيّة عكسية .. ورغم أنني مزاجية أيضًا ويتأثر مزاجي بحالتي الصحيّة والنفسية عمومًا، إلا أن من الصعب أن يظهر ذلك سوى لأقرب المقرّبين، الذي لم يكن من بينهم زوجي رحمه الله، لأنه لم يفهم قط طريقة تفكيري ..
كان يبحث عن الأنثى وحسب، كان بالفعل اختيارًا موفقًا لما تريده أمي في الرجال، واختيارًا سيئًا لما أردته أنا، لو عاد بي الزمن لما فعلتُ ذلك بنفسي أبدًا، ولكنني – كما قلت- لم أندم لأن هناك العديد من التعويضات أهمها عملي وانشغالي بأشياء كانت أهم من أن أقف عند الأشياء الصغيرة، أبنائي وحفيدتي العزيزة نورا..

ولأن من أكبر عيوبي في الكتابة الاستطراد، فإنني مضطرة لأن أكمل القصّة فيما بعد، لأنني سأشاهد فيلمًا يعرض الآن..

د.كوثر
يوليو 2008