...مذكرات د.كوثر © 2007-2018 جميع الحقوق محفوظة للكاتبة.لا يمكن نسخ أو استخدام أي من المحتوى بأي شكل بدون ذكر المصدر...

Monday, March 3, 2008

مذكرات ~ 7

صديقتي
وحبّي الصادق
كوثرتي العذبة
أذكر أنني ظللتُ طويلا أتأمل في هذه السطور الأولى...كم هي جميلة..وصادقة..أصابت مشاعري في صميمها
لن يكفي الحبر..لا تستطيع الكلماتُ مهما كانت أن تعبّر عن مدى اعتذاري وأسفي لما حدث..لنْ أطالب بأن تغفري لي، لا أجرؤ على فعل ذلك.
لا يوجد ذنب كي يغتفر أصلا أيها الحبيب
فقط أسألكِ ألا تمنعيني من تواصلكِ، ولا تحرميني منكِ ومن وجودكِ في حياتي..
أنا التي تسألك ذلك
حدث كل شيء- كما ولا بدّ أنْ أخبركِ دكتور طارق- بسرعة هائلة، ما بين ليلةٍ وضُحاها كنتُ هنا..في بلاد الفرنجة ! أسكن في غرفة بسيطة أنيقة في مساكن للمنتدبين من أعضاء سلك التدريس، أريدُ إنجاز بحثي في أقرب وقت ممكن حتى لا أغيب طويلا، لذا سأبذل أقصى ما أستطيع لأجل ذلك، لا أنام سوى بضع سويعات كل يومين..ما بين المحاضرات التي أديرها والبحث الذي يبتلع وقتي في المكتبة ومع بعض العلماء هنا.
يمكنكِ مراسلتي عبر العنوان المرفق في هذه الرسالة، سأنتظر منكِ شيئًا قريبًا
دعواتكِ وأمنياتك..
خالص تحياتي
وأشواقي
رائد
***

أعدتُ الرسالة إلى الظرف وطويتُه بعناية..وجلستُ أحدّق في العدم..
ما هذا الذي نفعله بأنفسنا؟ كيف نستيقظ يومًا لنجد أن حياتنا متوقفة على خط سير أحدهم، وأن حياتنا لم تعد تعنينا بقدر ما تعنينا حياة شخص آخر، وتلك التفاصيل الصغيرة اليومية التي يراها تافهة ولا يفكر فيها هو نفسه قدر ما نفعل نحن كعشاق؟
كنتُ – بالتأكيد- أتوق لتفاصيل أكثر..لكنني قدّرتُ رسالته مع ما فيه من انشغال
في الواقع لم أكتفِ بذلك، بل بدأتُ أكتب في رأسي رسالة أردّ بها عليه.. سأقول له أني أغفر له لكنني تمنيتُ أن أعانقه قبل أن يسافر......... كلا، لا يليق هذا
وما فيها ؟ إنه حق للمتحابين عند السفر .. أليس هذا نصّ غير مكتوب في قانون الحب ؟
حسنا، سأقول له أنني تمنيتُ أن أودعه قبل سفره، رغم أنني أكره لحظات الوداع إلا أنها تملأنا أملا وتظل هذه اللحظة في عيوننا كطيف طيلة الطريق، تسلّينا وتعدنا بلقاء منْتَظَر
سأقول له أن الكليّة كئيبة بدون وجوده، وأن مكتبه مغرق في الصمت بدون صوته..وأن القهوة قد انتظرتْ دونه طويلا
وأني أنتظره..
سأقول له أن روحي أفضل به، وأن العلم يحلو معه، وأن الحديثَ قد اشتاق إلينا معًا !
وسأرسل له أوراق بحثي، وبعضًا من رائحة الوطن وعبق الحنين
وأنتظر
.....
كلما تذكرتُ هذه الأيام شعرتُ بمرارة لا مثيل لها، من كان يتخيّل أن المستقبل مختلف تمامًا عمّا نخطط له؟ وأن ما تريده سيكون فعليًا آخر شيء قد يحدث لك..وأن ما تخشى حدوثه هو حرفيّا ما تراه يتشكّل أمامك ببطء دون أن تجد مفرّا من تغييره ؟
كراكب طائرة ذاهبة لمكان يجهله ولايريده، فلا يستطيع الهروب بشكل وهو يرى بعينيه ما ينتظره مما يخشاه خشية الموت..
أو كراكب سفينة تغرق وهو لا يستطيع السباحة، فهو يرى اقترابه من حتفه خطوة بخطوة عاجزًا عن تغيير لحظة واحدة..
أو كأنا وقتها...عندما حلمتُ واستغرقت في تفاصيل لا متناهية عن لقاء منتظر لا يجيء، وعن حب مستمر مدى الحياة، استمرت رسائلنا فترة ثم انقطعت تمامًا، وكلما أرسلتُ له عادت إليّ رسائلي مرة أخرى، فأيقنتُ أنّ ثمّة اسوداد..وأن نصف الكوب فارغ فعلا، والنصف الآخر معكّر تمامًا..ودّعته وداعًا أبديًّا..أقمتُ صلاة الغائب على روحه ومشيتُ في جنازتي، أودعتُ كل الرسائل في صندوق وأغلقت عليه قلبي، وعدتُ لأحيا...
كذكرى إنسانة..
بنصف عقل..
وقلب مفقود..
كنتُ كالثكلى..
ولولا أبي..لفقدتُ نصف عقلي الآخر
مكثتُ مدة يعلم الله كم دامت، يحاولون إعادتي للحياة، بدأتُ بفضل أبي أستعيد قواي على مكث..تأخرتُ في مناقشة رسالتي بسبب هذا الأمر لعامين أو يزيد..
وكما يقال، أوّل حب هو أصعب حب..وأول صدمة هي أصعب صدمة..تغدو الحياة بعد ذلك رائعة ولا بأس بها، ولا شيء أبدًا يستحق أن نجهد فيه عواطفنا أكثر من اللازم..لو كانت أغنية أصالة "عادي" موجودة في ذلك الوقت لكانت أفضل ما يعبّر عن حالتي.
وأصبحتُ د.كوثر..
وماذا في هذا ؟
د. ، أ.، م. أو حتى مدام. ؟!
كلها بضع حروف توضع قبل اسمك لتلغيه من الوجود..فتجد من نالت درجة ما من الدرجات أعلاه قد فقدت اسمها فورًا
إما أن تنادى بدكتورة .. أو أستاذة .. باشمهندسة.. مدام.. أم فلان
هل تحمل إحداهن لقبًا أعلاه وتنادى باسمها التي ولدت به؟ والذي يكون أحبّ شيء لها؟
إنها في نفس الوقت فرصة رائعة لمن يعانون من فقدان الذاكرة المزمن، لا يحتاجون لأية أسماء كي يثرثروا معك لبقية حياتك..
كنتُ أحب أنا أنادى بد.كوثر أو باسمي مجردًا..لم يحدث هذا طبعًا، في بلد مثل مصر يحب الناس ما يأتي منك، لا يحبونك أنت شخصيًّا !
يحبون سيارتك، مالك، لقبك أومركزك .. لا يهمهم من تكون وماذا تحب ولا من أنت..
ولذلك بقيتُ دون أصدقاء.
أُحاضِر
أقرأ أكثر
وأنزوي
....
د.كوثر
مارس2008