...مذكرات د.كوثر © 2007-2018 جميع الحقوق محفوظة للكاتبة.لا يمكن نسخ أو استخدام أي من المحتوى بأي شكل بدون ذكر المصدر...

Thursday, July 3, 2008

مذكرات ~ 9

من قال أن النساء لا يُحسِنّ قيادة السيارات؟ وأجدر بهنّ أن أن يجلسن في منازلهن لحياكة الملابس وترقيع أزرار قمصان أزواجهنّ لأن قيادة السيارات لا تصلح لهنّ؟

من قال ذلك فهو مخطئ على كلّ حال..

وحدي التي قالت؟

مخطئة أنا إذن !

ليس للأمر علاقة بتكوين المرأة .. بل هو أمر متفاوت .. شخصيّ .. كمهارة الإدارة مثلا أو اللباقة .. صفة كغيرها توجد في بعض بني البَشَر عن بعضهم الآخر .. مشهور عن النساء أن قيادتهنّ للسيارات " سيئة" بينما يعتلي الرجال بجدارة صهوة الحوادث!

الذي جعلني أتحدث في الأمر أنني اكتشفتُ أنني أحب قيادة السيارات جدًا.. وأحب فعل ذلك جدًا عندما أكون حزينة أو مهمومة، أحب القيادة على البحر والسير بلا هدف.. وأتمنى لو أن الشارع يمتد بامتداد البحر دون انقطاع، ودون دوران، ودون توقّف

إنها من الأشياء القليلة التي تخفّف عنّي مابي، أن أقود دون هدف..وألا أجد الفرصة لمسح دمعة تسقط خِلسة حتى تستقرّ على ملابسي، ألا أسجنها ولا أمسحها فور ولادتها، أن تتحرّر رغمًا عنّي
الزجاج مغلق، وأنا بالداخل منعزلة عن العالم، السيارات من حولي كموج آخر موازٍ لموجٍ البحر، تُبْحِر بعناد وجنون مثله .. بعضها له مرفأ يتوقف عنده .. وبعضها، مثلي؛ لها فقط شاطئ تصطدم به وتعود لتبحر مرّة أخرى، بحثًا عن ميناء

المهم أنني أجد نفسي في النهاية قد ابتعدتُ كثيرًا .. فأعد نفسي بالرجوع من أوّل دوران يقابلني، ولا أفي بوعدي .. لأكمل عدة كيلومترات أخرى .. قبل أن أعود مرغمة لأن المدينة ستنتهي قبل أن أنتهي أنا

أعود إلى المنزل لأكمل ما بدأتُه أمام البحر .. ومن صوت سعود الشريم لصوت كاظم لغيرهما .. أُبْحِر حسب حالتي المزاجية السمعيّة

أضع سماعات الأذن أحيانُا لتكتمل عزلتي رغمًا عنّي .. وأحيانًا أترك الصوت عاليًا يجوب بحُرِّيَة في أنحاء المنزل ..

وأحيانًا أخرى أغلق كلّ شيء وأستمع لصوت الصمت

وأفكّر بالدنيـا

ليتني وزيرة للتعليم، رغم أنها مسؤولية ضخمة، إلا أنني أتمنى أن أتقلدها، فقط لألغي شيئًا اسمه ثانوية عامّة، من الظلم أن يكون دخول الجامعة معتمدًا على درجات امتحانات سنة، أو سنتين، هذه لعنة عربية بامتياز، وشبح مرعب يرتدي ثوبًا ويمسك بسوط يجلد به الطلبة وآباءهم..

وليت الأمر يعتمد على جهد الطالب خلال السنة أو السنتين، لا ..بل فقط على بضعة أوراق آخر السنة .. ومدى "شطارة" الطلبة في إفراغ ما بأطراف ألسنتهم وسكبها دون أي جدوى..

رأيتُ طلبة وخرّيجين لا يفقهون شيئًا فيما يأخذون وما يمتحنون فيه، وإن سألتهم يوم الامتحان عن شيء قيل لك: هي كدا .. بلغة الـعبد المأمور الذي لا يجرؤ على سؤال سيده: لم فعلتَ هذا ؟ كيف يفعل وهو لا يجرؤ حتى على رفع بصره إليه؟

انتهى موسم الامتحانات، وهذا شيء رائع في حدّ ذاته، وتخرّج أناس وسيدخل الجامعة طلبة آخرون .. وبين هؤلاء وهؤلاء يكون التكرار والملل .. لا أدري ماذا عليّ أن أفعل هذا الصيف .. في هذا الحرّ قد ألجأ للبيات الصيفيّ .. لا مزاج لي للذهاب لأية مصائف .. قد أقرأ وأقرأ وربما أكتب، وأمارس اليوغا والمشي .. واحدة في سنّي هذا لابدّ أن تعتني بصحتها الجسدية .. يكفي أنني لا أتحكم في صحتي النفسية والعقلية .. فلأفعل شيئًا جيدًا في حق نفسي إذن.

لن يكون صيفًا رائعًا كذلك الذي سافرتُ فيه لأمريكا ورأيته..رغم أن قلبي انفطر عليه وقتها .. لكنه كان صيفًا.. دافئًا
بدأ الأمر عندما جاءني زوجي ليذكر أنه قد يسافر لأمريكا عقب الامتحانات مباشرة لأن أحد أصدقائه مريض بشدّة هناك .. ولا يريد أن يتركه في غربته وحيدًا..طلبتُ منه أن أذهب معه .. لا لشيء إلا الملل
أو لنقل .. رغبة في التغيير .. وأملًا في لقاء قد لا يتمّ
جهّزتُ نفسي بشوق .. وكأنني مراهقة على وشك أن تذهب لموعدها الأول .. ونحن في الطائرة – فقد كان زوجي غنيًا- لأن أغلب الرحلات وقتها كانت بالسفن، رغم أن السفن كانت رائعة جدًا، جرّبتها مرّة وكانت رحلة ممتعة، وكان لزوجي أعماله خارج نطاق التدريس، فهو غنيّ بالوراثة، عائلته كانت كذلك، ربما لهذا لم يكن يشعر بالمسؤولية كما ينبغي، أو كان يظنّ أن المال قد يحلّ أعقد المشكلات.

كان على العكس من أبي تمامًا .. وعلى العكس من رائد، لم أشعر بأن قوته ذاتيّة، وأن ثقته تنبع من داخله، آراءه تتغير بحسب أصدقائه، وقوته وثقته كمنحنى دالة أسيّة، ودالة أسيّة عكسية .. ورغم أنني مزاجية أيضًا ويتأثر مزاجي بحالتي الصحيّة والنفسية عمومًا، إلا أن من الصعب أن يظهر ذلك سوى لأقرب المقرّبين، الذي لم يكن من بينهم زوجي رحمه الله، لأنه لم يفهم قط طريقة تفكيري ..
كان يبحث عن الأنثى وحسب، كان بالفعل اختيارًا موفقًا لما تريده أمي في الرجال، واختيارًا سيئًا لما أردته أنا، لو عاد بي الزمن لما فعلتُ ذلك بنفسي أبدًا، ولكنني – كما قلت- لم أندم لأن هناك العديد من التعويضات أهمها عملي وانشغالي بأشياء كانت أهم من أن أقف عند الأشياء الصغيرة، أبنائي وحفيدتي العزيزة نورا..

ولأن من أكبر عيوبي في الكتابة الاستطراد، فإنني مضطرة لأن أكمل القصّة فيما بعد، لأنني سأشاهد فيلمًا يعرض الآن..

د.كوثر
يوليو 2008