...مذكرات د.كوثر © 2007-2018 جميع الحقوق محفوظة للكاتبة.لا يمكن نسخ أو استخدام أي من المحتوى بأي شكل بدون ذكر المصدر...

Wednesday, November 5, 2008

مذكرات ~ 13

عن "مفطروا رمضان" أتحدث... وجمعيّة "المفطرون في رمضان".. هذه الجمعيّة وكما يبدو من اسمها تضمّ أعضاء يجب أن تتوفر فيهم عدة مؤهلات، أهمها: حبّ الاختلاف عن المجتمع والافتخار بذلك، سواء كان ذلك مبنيًا على حق أم على باطل، لا يهم إن كان ذلك مخالفًا للدين أم لا !

المهم الاختلاف الشديد الذي يجعل الأنظار تتجه إليك والأصابع تمتد نحوك !

المساكين، لا يعلمون أنّما يؤذون أنفسهم، بإعلان إفطارهم في رمضان، والاحتجاج على فرض من فرائض الله، دون دراسة متأنية، أوتفريق بين مخالفة المجتمع فيما يفعله من أخطاء، ومخالفته بفعل ما لا يقوم به من أخطاء !

أتفق معهم في أنّ المجتمع ينافق نفسه، مجتمعٌ يَغْسِلُ أسْنَانَه ثلاثًا في الصَّباح بينما رائحته الكريهة نابعة من لِسَانِه، يُـعْلِنُ التَّوْبَةَ في رمضان دون أن ينويها حقّا كديدن حياته، يقوم بتوقيع عقد توبة –مؤقت-معلوم الأجل، المساجد ممتلئة، التسامح على أشدّه، اصفعني على خدّي الأيمن فسأدير لك الأيسر أيضًا لأنّ"رمضان كريم"..
وبعد رمضان تجد كلّ شيء عاد لما كان عليه، المساجد تخلو من روّادها، وتسقط الأخلاق ثقيلةً فلا تجد من يحملها.. ونطالب بضريبة لكلّ الصفعات الماضية !

إذن؛ هل تكون مخالفة المجتمع في نفاقه اللا متفق عليه هذا بعدم الصوم أصلا كإثبات غير معلن باستمرارية الحال والثبات على المبدأ ؟ كيف – داخليًا- ينتفي إحساس النفاق لمجرد الأكل والشرب بينما المجتمع صائم؟ أليس في هذا نفاق للذات؟وخداع لها ؟

لكنّنِي – رغم مأخذي على من يفعل ذلك - لا ألومهم كُلِيًّا، لأنّ الذين يُعْلِنون فعليًا أو قوليّا أنهم خلفاء الله في الأرض، وأنهم مصدر دينه وحَمَلَة رسالته السماوية أوّل من يقوم بتشويه الكثير من المفاهيم لدى العامّة _ والعامّة ليست سبّة بالمناسبة كما أسمع كثيرًا .. ! أنا من العامّة في الطب- رغم أنني مررتُ بما لم يمرّ به أحد، ومرضت بفنون الأمراض وعولجْتُ ومازلتُ - بينما من العلماء في بعض فروع الإحصاء مثلا .. ! هذا تخصصي فقد أفنيتُ عُمْرِي أُبحِرُ في هذا العِلْم، كي لا يأخذني الاستطراد بعيدًا _ كنتُ أقول أنّ من يدّعي أنه مصدر للدين، أوّل من يُنَفِّر الناس منه، بتصرّفاته وتعاملاته الغريبة ..

وفي الدّين – كما الحبّ-، كلمّا زاد جهل المرء زادت سعادته، وقلّ القلق والتفكيـر .. كما الحكمة القائلة: إذا لم تعرف إلى أين أنت ذاهب، فكلّ الطرق مناسبة! كل الطرق ستجعلك تصل، سواء اخترتَها أنتَ أم اختارها لك أحدهم ! لا فارق ..

لأن أصحاب هذا المذْهَب"العلاقة الـمُطَرّدة (الجهل، السعادة)" يعيشون لإشباع رغباتهم الأساسية، الغرائز الإنسانية-الـ"طـينيّة" إن كان يمكن أن نسمّيها كذلك ! فلا يشغلهم سوى ماذا سنأكل اليوم، متى أتزوج، ماذا سأسمّي أبنائي، وتحقيق هذه الأشياء هو الشغل الشاغل والغاية القصوى منذ الوعي، وتجد أنها التعريف الأوحد لكلمة استقرار، ومفردات سكن!

صحيح أنني تزوجتُ وأنجبتُ، تزوجتُ لأرضي أمّي فقط، ولم يتسنّ لي أن أتزوج الشخص الذي أحببتُه، لكنني لم أفكّر يومًا في الزواج على أنّه الاستقرار المُنْتَظَر ! وكنتُ أرى أنّ وراءه من المسؤوليات ما هو أكبر من أن يجعلني بهذه السعادة، لطالما كانت سعادتي الحقيقية في جلسات الأصدقاء نتبادل الأحاديث، أو نتشارك عملا ما، أو نتغدّى سويًا .. ربما لو تزوجتُ من أحب لكان الأمر مُخْتَلِفًا ! ولوجدتُ ذلك "الاستقرار" الذي يزعمون ! أقول ربّما !

كما أنّ التعمّق وكثرة التفكير أو البحث حول الدّين – كما الحبّ أيضًا !- في أفضل أحواله يؤدي إلى الفصام !
أو إلى الجنون !

الدين، قد يؤدي الخوض فيه والانغماس لدرجة كبيرة في تفصيلاته؛ إلى الانفصال عن المجتمع تمامًا على أقلّ تقدير!

والعيش في عالَم مختلف، أو التعرّف على بعض من يشاركوننا عزلتنا لننعزل سويًّا..

في أفضل الحالات يكون الفصام، والانقسام في رؤية جُلّ ما يفعل المرء إلى منظورين، أحدهما يؤكد له أنه برد حلال، والثاني يؤكد أن مقعدًا له محجوز في الجحيم!

بينما في الحبّ، يكون الفصام درجة أقلّ عن الجنون بـمقدار شَعْرَة ! عندما يُغْضِبْنا المحبوب في أمر ما، فلا ندري أيّ التصرفين أحقّ بالأخذ، أنخبره أننا غضبنا لما فعل، أم نغوص أكثر في بحر المعاناة وحدنا بينما سفينتنا تُبْحِر بمنتهى الأمان على الوجه!

"سأذهب إليه لأسلّم عملي، كلا .. عندما تأتي صديقتي الآن سأعطيها عملي لها ولتذهب هي به إليه"

ذلك أننا نعتبر أن مجرّد ذهابنا هو اعتراف غير معلن بالحبّ، وتصريح بأن الشوق قد غَلَبَنَا، ورفع لراية الضعف ولو بيننا وبين أنفسِنا، وربما لا يفقه الطرف الذي نهتمّ به كل هذا الهراء الذي يعتمل داخلنا، وهو ما يزيد من فصامنا !

قياسًا على ذلك الكثير من التصرفات التي ننقسم أمامها أمام طريقين متناقضين تمامًا .. في الدّين .. وفي الحبّ!

البعض يقوم بتسهيل الأمور .. فيختار "لا" طوال الخطّ .. طوال حياته تجده يرفض كلّ شيء، كلّ جديد، كلّ موقف يحتاج منه إلى تفكير أو قرار ستكون إجابته لائيّة-فكلّ حلّ (نعم) له مشكلة-، والبعض الآخر يقوم بتسهيلها باختيار"نعم" فكلّ الأشياء قابلة للتنفيذ أيّا كانت، أي موقف يحتاج إلى قرار فـ "نعم" ولن تحدث مشاكل في الحياة بـالموافقة! ..

أنتم يا من صنعتُم مشكلة بتعقيداتكم وسماحكم بحريّة اللغة لتحوي "النعم" والـ"لا" ! ما الذي يجعل من اللغة إذنْ متحَكِّمًا فينا إلى هذا الحدّ ؟

هوّنوا عليكم، فليستِ اللغة دليل سعادة البشر، ولا كلّ ما جاء فيها جاء لنستعملُه !

ربما يكون لديك محمولا به إمكانات مهولة، ولا تستعمله سوى لإجراء المكالمات وتبادل الرسائل النصيّة فقط!

ما المشكلة إذن؟ أنت حتى لا تستطيع أن تهاتِف بوساطته من تريد، ولا يأتيك عبره كُلَّ صباح صوتٌ تحب أن تسمعه كي تقضي بقية يومك بأبسطِ التعابير .. "حَيًّا" !

أين المشكلة إذن؟



د.كوثر
نوفمبر 2008