...مذكرات د.كوثر © 2007-2018 جميع الحقوق محفوظة للكاتبة.لا يمكن نسخ أو استخدام أي من المحتوى بأي شكل بدون ذكر المصدر...

Wednesday, November 28, 2007

مذكرات ~ 4

اكتشفتُ اليوم خطأ من ضمن أخطاء لا تعدّ ولا تحصى في أسلوبنا التعليمي، كل العائلات بلا استثناء يحاولون بشتى الوسائل إلحاق أطفالهم بالمدارس مبكّرًا، وكلما دخل أصغر من سنّه المفترض كلما زادت فرحة أهله به، فهو سينهي دراسته باكرًا !

***
مؤخرًا، ومؤخرًا بالنسبة لمثلي تعني منذ زمن لابأس به، أصبح الطلبة يتخرجون حديثي السنّ، لا يجدون عملًا يتكسّبون منه، وفي ذات الوقت لا يكملون تعليمهم العالي، ولا يفعلون أي أشياء مفيدة في حياتهم، ويظلون تبعة لوالديهم، إلا من رحم الله..
ولكن رغبة الأهل في إلحاق الأطفال أبكر لم تنته بعد !
المشكلة ليست عامّة، ليس كل من دخل أصغر أقل في القدرة على التحصيل الدراسي، ولا كل أكبر أقدر – بكل تأكيد- لكنه عامل مساعد، وخصوصًا في هذا الزمن، فالكثير من شباب الجامعة ما زال عقله بمستوى أقل من سنّه، وليس ما أواجهه بقليل أبدًا !
ما أراه يوميًا من الطلبة يمكن أن يُحكى في مجلّدات بلا نهاية !
من عاداتي السيئة أن أطلب من شؤون الطلبة في بداية العام بيانات عن طلبة الفرق التي سأحاضر لها، عادة أطلب الأسماء، هذا العام طلبت أعمارهم أيضًا..!
***
بعض المعيدين تخرّجوا هذا العام ولم يتمّوا عامهم الواحد والعشرين بعد، أغلبهم متميّز ولا شك...لكن هذا ليس الحال في الدفعة الحالية على الإطلاق،
عندما ذكرتُ في اجتماع القسم رأيي بهذا الشأن، طرحوا فكرة أن نقوم بإحصائية عامّة على الطلبة، وعلاقة أعمارهم بتحصيلهم الدراسي، ورُشّحت لإدارة المشروع بما أنني صاحبة الفكرة، ولم أر بأسًا في ذلك، لربما نطلب بعد ذلك سنّا معيّنا لدخول الجامعة !

ربما يدرك الأهل يومًا أن استعجالهم لإلحاق أطفالهم بالسلك الدراسي ليس جيّدًا في كلّ الأحوال، ويعتمد بالدرجة الأولى على استعداد الطفل، أرى بعض النساء يوميّا تجرّ ابنها\ ابنتها إلى المدرسة رغمًا عنه \ها، وربما لم تكمل عامها السادس أو السابع بعد، ويملأ الصراخ المبنى صباحًا! كل هذا لأننا نعرف مصلحتهم أكثر مما يعرفوها أنفسهم !
هل ترون أنني معقدة زيادة عن اللازم؟ ربما لم أصل لدرجة تعقيد رفعت إسماعيل بعد، على الأقل أنا لا أحبّ دراكيولا ولم أتعامل من قبل مع مومياءات متحنطة تستيقظ ليلًا عند اكتمال القمر! وليس بيني وبين لوسيفر علاقة وطيدة!
كل ما في الأمر أنني أنقد ما أرى من وجهة نظري أنا ! أم أن عليّ أن أعتنق ما يتكرر أمامي؟
***
من عاداتي التي يراها الطلبة سيئة-وهي كثيرة- ، وربما يلعنون اختراع السبورة لأجلها! أنني أطلب منهم القيام إليها لحل المسائل أحيانًا !
هناك من يقوم بكل سرور وهم قلّة جدًا، وهناك من يقوم لأنه لا خيار آخر أمامه، وهناك من يودّ لو تأتيني أزمة قلبية فيطلب لي الإسعاف من هاتفه المحمول عن أن يتحرّك من مكانه ! أشعر بكلّ هذا صدقّوني، لن تفعلوا إلا لو كنتم مكاني..
قبل عدة سنوات، كنتُ أكلّف بعض الطلبة بشرح كامل لبعض المواضيع بعد أن أعطيهم نبذة عنها ومرجعًا يعودون إليه، وكنتُ أجد غالبًا ما يسرّني، أما الآن لو طلبتُ هذا الطلب، ربما أجد أن الجميع تغيّب، أو أكثر من ذلك....وكأنني أطلب من نانسي عجرم أن تتحدث عن فلسفة نيتشة !
ذات مرّة طلبتُ من أحد الطلبة أن يقوم بحل مسألة قد حللنا في ذات المحاضرة مثلها كتطبيق على ما درسناه توّا، فقام بكل إباء، أمسك بالقلم، ونظر لي بكل ثقة وقال: لم أذاكر هذا الجزء بعد !
كلا..لا داعي أن تغلقوا النافذة، أو تقفلوا الكتاب- إن كنتم تقرؤون النسخة المكتوبة- فسأصمت، ولن أخبركم الآن بما فعلته إحدى الطالبات في ضغطي ذات مرّة.
*
***
*
هل أكملت قصة حفل الماجستير خاصّتي؟ لم أفعل..هناك أشياء يجب أن تُذكر على دفعات كي نشعر بالسعادة في كل مرة نتذكرها، لو تذكّرناها جملة واحدة لما وجدنا شيئا آخر بعد ذلك لنتذكره ونحن نحتسي فنجان قهوة العصر..
***
لم تكن لديّ أية فكرة عن الكيفية التي يجب أن أتصرف بها معه، لكن حسن حظي لازمني يومها، فقد انشغل دكتوري الحبيب مع الضيوف ولم نتحدث إلا وسط جمع من الدكاترة وطلبة الدراسات العليا، ما جعلني أشعر بالأمان !
وبعد ساعتين ونصف، وهي مدة كبيرة نسبيّا، انفضّ الجمع وذهب الضيوف، وانسحب الطلبة واحدًا تلو الآخر، كانت الشمس قاربت على المغيب، وكانت السماء تدمع في الخارج..تشاركني سعادتي.
-كوثر.
تسمّرت لحظة، ثم نظرتُ خلفي، كان يبتسم قائلًا: ألف مبروك يا فتاة، رفعتِ رأسي حقّا..
خرج صوتي بالكاد يشكره.
مشينا حتى بوابّة الكلية، سألني: أين سائقك؟
تمتمت بعد فترة من الغمغمة غير المفهومة: لن يأتي اليوم فلم أكن أعرف متى سأنتهي.
أشار بتلقائية: إذن عليّ أن أوصلك، هذا أقل شيء قد أفعله لكِ اليوم..
-شكرًا، لا داعي، أعني، لقد فاجأتني باحتفال رائع مطوّل لم أكن أتوقعه.
توقف فجأة عن السير ونظر إليّ..
-طيّب.
لم أكن أستطع الرفض بعد نظرة العتاب هذه...ربما تطير أمّي فرحًا لو عرفت أن الدكتور من أوصلني بينما ينظر لي أبي نظرة عميقة، تجعلني أحكي له كل شيء !
فلطالما كنتُ ابنة أبي..!
***
نورا حفيدتي تتصل
***
سأكمل لاحقًا


د.كوثر
نوفمبر2007

No comments: